ستون عاما على النكبة --- بيت شآن..... كانت هنا ضيعة اسمها بيسان

من طرف صقر السياسة 2008-05-06, 6:59 am

كانت مدينة جميلة.. كان ذلك آخر مشهد لمدينة بيسان الواقعة شمال منطقة الغور انطبع في ذاكرة ماجد دراغمة عندما رآها بطابعها العربي لمرة يتيمة قبل سقوطها بأيام حينما اصطحبه والده فوق فرس صهباء للتداوي من مرض الملاريا عند طبيب المدينة. أضاف بينما كان يقف على مرمى حجر من الحدود الفاصلة مع أراضي عام48: 'من هنا الطريق إلى بيسان'، مشيراً بيده إلى فضاء رحب من الأراضي الزراعية التي حجبت المستعمرات اليهودية جزءاً منها.

بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين في 14 أيار/ مايو 1948، أعلن ديفيد بن غوريون قيام إسرائيل على أنقاض القرى والبلدات الفلسطينية التي تغيرت أسماؤها إلى العبرية مثلما تحول اسم بيسان إلى 'بيت شآن' بين ليلة وضحاها.

وحتى ذلك العام الذي شهد نكبة الشعب الفلسطيني، ظلت المدينة مركزا تجاريا ومراحا رحبا لعشائر بدوية فلسطينية ممتدة تملك أراضٍ شاسعة ترمح فيها الخيل وقعت كلها تحت السيطرة اليهودية.

وإثر سيطرة العصابات اليهودية عليها في ذلك العام الذي شهد أكبر موجة تهجير تعرض لها الشعب الفلسطيني، تفرقت عائلاتها في شتى بقاع العالم وقسم منها سكن في مخيمات اللاجئين مثل مخيم الحصن في الأردن، وبعضها لجأ إلى مضارب العشائر المجاورة مثل مضارب الدراغمة والصوافطة.

وارتبطت تلك العشائر مثل عائلات أخرى بعلاقات تجارية واجتماعية مع عائلات سكنت بيسان وفي محيطها مثل عرب الصقر (الصقور).
والصقر عشيرة بدوية انتشرت مضاربها قبل العام 1948 في منطقة بيسان، حكمها شيوخ صارمون ذاع صيتهم بين عشائر الضفتين الغربية والشرقية.

على الطريق المؤدية إلى حدود عام 1948 كثير من اللافتات التي تشير إلى اتجاه الطريق التي تقود إلى تلك المدينة. وعلى مقربة من الحدود وضعت لافتة كبيرة تشير إلى موقع 'بيت شآن' على بعد عدة كيلومترات وعلى نفس الخط تقع بحيرة طبريا.
وحملت بيسان الإسم الكنعاني (بيت شان) وتعنى بيت الإله شان أو بيت السكون. ويعود تاريخها إلى العام 4000 قبل الميلاد، كما دلت الحفريات التي جرت في الفترة بين عامي 1925-1933. وقد تعاقبت على هذه المدينة التي تبدل اسمها وسكانها بعد النكبة العديد من الأمم.

كثير من المشاهد التي تعكس نمط الحياة في تلك المدينة قبل العام 1948 ما زالت حاضرة في ذاكرة دراغمة رغم أنه لم يزرها قبل العام 48 إلا مرة واحدة كان حينها طفلا لم يتجاوز السابعة.
ويروي الرجل الذي زارها بعد ذلك بسنوات كيف كانت حينها ذات طابع يهودي خالص وكيف أن الأودية والجداول المائية التي تحيط بها وتضفي عليها جوا جمالياً خاصاً يجذب المسافرين إليها قد اختفت.
' لذلك كان التجار يمرون منها في رحلتهم الى جنوب سوريا لشراء وبيع المواشي'، قال الرجل ناقلا الحكاية عن تاجر كان يحط رحاله دائما في المدينة للاستراحة'.

وتقترب أراضي بيسان والقرى الزراعية التي يسكنها اليهود من نهر الأردن كثيرا وتقع على الطريق إلى الجليل الأسفل، لذلك تعرضت بعض المواقع القريبة منها خلال الحرب اللبنانية –الإسرائيلية في الصيف قبل الماضي لرشقات من صواريخ الكاتيوشا التي أطلقها مقاتلو حزب الله.
والآن يحظر على سكان الضفة الغربية دخول مدينة بيسان إلا بموجب تصاريح خاصة بعد أن كان مئات العمال الفلسطينيين فيما مضى يعملون في قطاع الزراعة هناك.

وبيسان الواقعة ضمن منطقة غور الأردن مشهورة بزراعة الخضراوات والنخيل حتى قبل أن يستولي عليها اليهود.
'بيسان كانت في العشرينيات من القرن الماضي مدينة عامرة بأهلها'، روى كهل من قرية عين البيضا القريبة من الحدود بإسهاب كيف كان التجار من قريته يذهبون إلى بيسان لعرض مواشيهم وخيلهم للبيع ولممارسة أنواع أخرى من التجارة.

وسكن المدينة قبل العام 48 عدة آلاف من الفلسطينيين والعرب كونها كانت مركزاً تجارياً في المنطقة. وأصبح لهؤلاء أملاك خاصة بهم خسروها بعد العام 1948.
ودراغمة يسكن الآن في طوباس التي تمتد أراضيها لحدود بيسان ما جعل عائلات المنطقتين ترتبطان بأحلاف قبلية وثيقة شابها بعض النزاعات الطارئة.
وبيسان ككلمة منتشرة الآن في مناطق كثيرة من العالم غنية عن التعريف. وكثير من الفلسطينيين أطلقوا هذا الاسم على أشياء تخصهم، كما دخلت الكلمة الى صياغات الفن المختلفة وفضاءات الشعر العربي بقوة.

وتميزت بيسان بين مثيلاتها من المدن العربية الشهيرة بأغنية مشهورة للسيدة فيروز: ' ضيعتنا كان اسمها بيسان'.
وفي مختلف أنحاء العالم أطلق اسم بيسان المدينة التي ظلت تكتسب الصبغة المعمارية الشرقية التقليدية وشهدت بعد السيطرة اليهودية عليها نهضة عمرانية غيرت طابعها العربي كليا، على كثير من المواليد الإناث مثلما دخلت مفردة بيسان إلى بيت دراغمة الذي أطلق على حفيدته اسم بيسان.