المجلس الثقافي البريطاني و مبادرة جريئة تجاه الإبداع ---حوار في لندن يكشف حقيقة نبض العالم العربي

من طرف صقر السياسة 2008-04-18, 4:13 pm

تبنى المجلس البريطاني خطوة مهمة خلال معرض لندن للكتاب , بالإنفتاح على العالم العربي من خلال دعوة مثقفيه وأدباء ينتمون إلى تيارات التجديد والحداثة ويعكسون نبض المستقبل بكل ألوانه وأمواجه المتنوعة والمتعدد بعيداً عن مأزق التعصب وخيارات التطرف والإنغلاق .

وقد نجح المعرض في إستضافة أدباء الموجة الجديدة في مصر ولبنان وبعض الأقطار العربية لفتح ساحة للحوار المتمدن بشأن قضايا الإختلاف والتفاعل للقضاء على حاجز العزلة الذي ينجم عنه إنفجارات يقودها المتعصبون وغير العارفين بمجرى نهر الحياة على الإطللاق .

وعندما تقرأ الأسماء التي حضرت وشاركت من كافة بقاع العالم العربي , تدرك أن المجلس الثقافي البريطاني يقف بشكل جيد على حركة الإبداع العربي ويلمسها بصدق شديد ويتعامل معها دون حساسية أو تصنيف ما . لقد إجتمع في لندن عشرات من الأدباء والمثقفين والشعراء وروائيين في إطار دعوة بريطانية تحض على اللقاء والتعامل المباشر مع مجددين في عالم الإبداع الأدبي الذي يعكس نشاط الأمم وحيويتها بطريقة بالغة للغاية .

هذا الحدث اللندني يؤكد وجود دماء جديدة داخل المجلس البريطاني , تجاوزت الإطار القديم والتركيز على تعامل كلاسيكي تقليدي . وتؤكد هذه الخطوة المثيرة السعي نحو أجيال جديدة من المبدعين العرب في الشعر والأدب والرواية . وإعلان هذه الأسماء يكشف عن متابعة دقيقة لنمو تيارات الأدب في العالم العربي والتفاعل معها وتشجيعها للوصول إلى لندن واللقاء مع ساحة من الناشرين والكُتاب البريطانيين .

المعرض يكشف أهمية تفعيل حركة الترجمة من العربية إلى الإنكليزية وتطوير إتصالات مع دور النشر لتلبية حاجة سوق غربي يريد معرفة الكثير عن عالم العرب , لا يرى سوى الوجه المتطرف في داخله ولا يلمس الجوانب الأخرى التي تشير إلى إبداع متألق , يعكس نبض البيئات العربية ويكشف عن حقيقة التفاعل داخلها وتعطشها في جوانب متعددة إلى التفاعل مع مناخ ديمقراطي يقلص من وجود الدولة البوليسية , ويوضح الآثار الضارة الناجمة عن هيمنة هذه الأساليب المعطلة للنمو الإجتماعي .

كما أن اللقاء الذي حضر إلى لندن , يُكشف من جانب آخر , حركة المرأة العربية وحضورها المدهش في مجالات الإبداع والخلق الفني , خصوصاً على جانب الرواية العربية وموجات جريئة تبرز في منطقة الخليج خصوصاً في السعودية .

إن إبداع المرأة العربية يبين الوجه الآخر , بعيداً عن صورة < الحريم > التي ينقلها إعلام غربي كسول لا ينفذ إلى الواقع الحقيقي بكل تياراته .

لقد كان مدهشاً وجود كل هذه الروايات العربية بأقلام نسائية , تكشف الجانب الآخر , الذي لا يتحدث عنه إعلام غربي بليد لا ينفذ إلى العمق ولا يرى عمليات النمو والإصرار على الإبداع على الرغم من قيود الإحباط والتخلف العام ومعاداة خطاب الأدب الجديد .

وكانت رواية < بنات الرياض > لرجاء الصانع موجودة داخل أروقة المعرض وبترجمتها الإنكليزية وبالطبعة الصادرة عن دار < بنغوين > . والرواية بجانب أنها نص أدبي رفيع , تكشف عن متغيرات مثيرة حدثت في نطاق المنطقة , وإن أجيالاً من النساء يمارسن حياتهن الطبيعية بالإهتمام بالحب والمشاعر الرومانسية على الرغم من قيود إجتماعية غاية القسوة وتحاصرهن بمختلف أشكال القمع , لكن الحس الإنساني لديه القدرة على التمرد والخروج من الشرنقة مهما بلغت إجراءات الحبس والمنع .

وأعطت اللقاءات الشعرية والروائية صورة لنبض لعالم عربي يتفاعل وينمو في ظل قيود الإستبداد من جانب ونمو نزعة التطرف الديني الناجمة عن هيمنة الأول بكل اشكاله . إن رواية عميقة مثل < عمارة يعقوبيان > لعلاء الأسواني تكشف مدى حقيقة الأوضاع في بلد عربي بارز مثل مصر . كما ان لغة الكتابة الروائية وسردها , تلقي الأضواء على تكوينات تنمو في ظل قيود الشراسة الأمنية , وأن الإبداع يستطيع بالفعل لمس نبض عالم عربي , يمور بالأفكار والتيارات المختلفة نتيجة إنفتاحه الشديد على العالم بسبب ثورة الإتصالات الأخيرة .

إن الإعلام الغربي لا يركز إلا على تنظيم < القاعدة > وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري , ويهمل صورة أخرى عامرة بالاصوات المختلفة , من أول حقائق < بنات الرياض > حتى < عمارة يعقوبيان > .

وأدهشني وجود الكاتب المصري خالد الخميسي صاحب الكتاب الجديد < تاكسي > الصادر عن دار الشروق , حيث يقدم صورة جديدة من خلال قص أدبي بديع يلمس الحياة اليومية لسُكان القاهرة من خلال أحاديث لسائقي التاكسيات بشوارع العاصمة المزدحمة والخانقة .

الإنفتاح على أسماء أدبية جديدة في العالم العربي , يُعبر عن وجهة نظر راقية نلحظها من خلال نشاط المركز الثقافي البريطاني , الذي يتعامل مع الإبداع بطريقة تعكس أسلوبه المتطور دون الوقوف عند تصنيفات أو أُطر فكرية تمنع ذلك وتُبعد هذا الإسم أو غيره من ساحة الإهتمام .

لقد أراد معرض لندن للكتاب دعوة العالم العربي إلى هذا المنتدى السنوي . وركز الإهتمام على حضور الأدب والإبداع بإعتبارهما الأكثر صدقاً في كشف صورة هذا الكيان العربي الحقيقي , بعيداً عن خطاب التعصب وعلامات الإستبداد وأشكال الدولة البوليسية .

إستطاعت < لندن > التعامل مع العالم العربي , بأفضل صورة والترحيب بمبدعين ومنحهم فرصة التعامل مع حياة ثقافية وساحة للكتاب والنشر .

أعطى المبدعون العرب صورة متنوعة لعالم عربي يناضل بإصرار للخروج من الحصار بمختلف أشكاله , سواء ذلك الجاثم على صدر فلسطين أو الآخر الذي كشفت عنه رواية < بنات الرياض > أو عالم علاء الأسواني عن القاهرة من خلال رصد حياة سُكان < عمارة يعقوبيان > .

وكل هذه الإصدارات الإبداعية وغيرها , تكشف بأن العالم العربي ينبض بطريقة مختلفة ويتجاوز إيقاع < القاعدة > لأنها نغمة تعبر عن أزمة وخناق , بينما ما يجري في قلب شرايين الواقع العربي يتجاوز هذا الخندق مع الحلم بديمقراطية وعالم بلا تمييز , والأهم من ذلك هو غياب المحتل . ويمكن قراءة كتاب < تاكسي > للخميسي بلمس كل هذه النبضات القادمة من أفواه سائقي التاكسيات في عاصمة مزدحمة ومخنوقة , لكن في أعماقها يقبع الحلم , الذي تتحلق حوله الأفئدة والعقول للخلاص من زحمة بغيضة مهلكة , إلى عالم أفضل منير بالحرية وحقوق الأفراد .