الانتفاضه الفلسطينيه الثانيه ----- انتفاضة الاقصى

من طرف صقر السياسة 2008-04-05, 4:07 pm

الانتفاضة الفلسطينية الثانية
(انتفاضة الأقصى)

مقدمة

اندلعت انتفاضة الأقصى (التي عرفت بالانتفاضة الفلسطينية الثانية) للشعب الفلسطيني، تعبيراً عن مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك في ضوء ما آلت إليه عملية التسوية، التي جاءت بعد توقف الانتفاضة الأولى. فقد استمرت عملية التسوية في مرحلتها الانتقالية أكثر من ست سنوات، مع أنه كان مقرراً لها ثلاث سنوات فقط، وعقدت خلال هذه المرحلة عدة اتفاقات لتنفيذ المرحلة الانتقالية. وقد نفذت السلطة الفلسطينية ما ألزمتها به هذه الاتفاقيات، ولم تنفذ إسرائيل إلا القليل من البنود المقررة عليها. ولذلك كانت نتائج المرحلة الانتقالية مخيبة لآمال الشعب الفلسطيني، ولم تسفر مفاوضات المرحلة النهائية عن أي نتائج أو اتفاق، فأُحبطت السلطة الفلسطينية. وفي ضوء تعاظم الضغط الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، انطلقت الانتفاضة الثانية في 1 رجب 1421 الموافق 28 سبتمبر 2000، وتركت بصمات واضحة على مسيرة الصراع، لا في فلسطين فحسب، بل في بُعد الصراع العربي والإسلامي والعالمي. وخلال اشتعال الانتفاضة، تغيرت رئاسات الحكومة في إسرائيل وأمريكا، كما تغيرت المواقف، وتحركت البركة التي كادت مياهها تأسن، من طول الانتظار.

وقد ولدت هذه الانتفاضة على أرضية مهيأة لها، ومعدة لانفجارها، كما ولدت في زمن تضافرت فيه كل الظروف والمناخات، لتفاعلها واشتعال نارها.

ولم تنطلق الانتفاضة من دون مقدمات، أو من غير دوافع أدت إلى اشتعالها، بهذه الصورة المذهلة، التي فاقت كل التوقعات. ولم تكن انطلاقتها عبثية عشوائية من غير قاعدة أو أساس، بل انطلقت بشكل مدروس، نتيجة لاختناقات انفجرت مع توافر الأسباب، لتحقيق أهداف آنية، وأهداف مرحلية، وأهداف بعيدة المدى.

وتعين معرفة الحادث المباشر الذي فجّر الانتفاضة، في إدراك حقيقة تسميتها بـ"انتفاضة الأقصى". ذلك أن "أرييل شارون"، زعيم حزب الليكود، قرر زيارة المسجد الأقصى، يحرسه أكثر من ألفي ضابط وجندي، ونفّذ هذه الخطوة يوم الخميس 28 سبتمبر 2000 (الملحق الرقم 1). وعندما وصل ساحة المسجد، فجر وصوله كوامن الغضب لدى المصلين، الذين هبوا لصده وجنوده. فهاجموهم بالحجارة والزجاجات، وكل ما وقعت عليه أيديهم، بعنف لم يسبق له مثيل. وقد أجبر الهجوم "أرييل شارون" وجنوده على التراجع، بعد أن أصيب منهم أكثر من خمسة وعشرين ضابطاً وجندياً.

وعقب فشل الزيارة بيوم واحد، ارتكب الإسرائيليون مجزرة في ساحة المسجد الأقصى المبارك، كانت حصيلتها 8 شهداء، و7 فقدوا البصر، و220 جريحاً.

وفي اليوم التالي سادت المناطق الفلسطينية حالة من الغليان والغضب الشديدين، منذ صباح السبت 30 سبتمبر احتجاجاً على المجزرة البشعة، التي ارتكبتها قوات الاحتلال يوم الجمعة 29 سبتمبر 2000م، في ساحات المسجد الأقصى المبارك.

ووقعت مواجهات عنيفة في العديد من المناطق، خصوصاً في منطقة الخليل، التي تُعَدُّ المنطقة الأكثر سخونة. وأعلنت المستشفيات حالة الطوارئ القصوى، خشية حدوث إصابات كثيرة في صفوف المواطنين. كما أغلقت المدارس أبوابها، وخرج الطلاب إلى الشوارع في الضفة وقطاع غزة، متجهين نحو المستوطنين وأماكن تجمعات الجنود الإسرائيليين. وألقى الآلاف من الفلسطينيين الزجاجات الحارقة والحجارة، باتجاه قوات جيش الاحتلال حول مستوطنات الضفة وغزة

وفي اليوم نفسه، 29 سبتمبر 2000، استنكرت الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشريف المجزرة، التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بحق الفلسطينيين والمسجد الأقصى المبارك.

وحمّلت الهيئة في بيان لها، الجمعة 29 سبتمبر 2000، الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هذه المجزرة، التي ذهب ضحيتها العديد من الشهداء، والعشرات من الجرحى، بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال ساحة المسجد الأقصى، بعد صلاة الجمعة.

وقال البيان: "إن الأحداث وقعت على خلفية سماح قوات الاحتلال الإسرائيلي للسفاح شارون بدخول المسجد الأقصى المبارك، لإثارة مشاعر جماهير شعبنا الفلسطيني الدينية والوطنية، التي تصدت له ببسالة وأخرجته من ساحات المسجد الأقصى المبارك دون أن يحقق أهدافه في ارتكاب مجزرة جديدة، كالمجازر التي ارتكبها في صبرا وشاتيلا".

كما أكد البيان على أن المسجد الأقصى المبارك، بجميع ساحاته وأسواره وأبوابه وأساساته وفضائه، هو مسجد خالص للمسلمين، لا حق لليهود فيه. وأن الادعاء بالهيكل المزعوم، هو محض افتراء لا وجود له في الحقيقة، وإنمــا يقصد من ذلك تحقيق مكاسب سياسية، واستفزاز مشاعر المسلمين، فضلاً عن أن المسجد الأقصى المبارك جزء من عقيدة أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، بحكم رباني.

وذكَّر البيان بقول الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير(الإسراء: 1)، وأضاف أن المساس بالمسجد الأقصى، أو الاعتداء عليه، هو اعتداء على العقيدة الإسلامية، لا يمكن السكوت عليه.

وناشدت الهيئة الإسلامية العليا الأمتين، العربية والإسلامية، القيام بواجبهما في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، ومدينة القدس الشريف، بالمال والنفس والكلمة؛ لأن ذلك من أعظم الواجبات على المسلمين، لأن قضية القدس والمسجد الأقصى قضية إيمانية تمس عقيدة كل مسلم.

وأهابت الهيئة الإسلامية العليا بالمجتمع الدولي الوقوف بحزم، إلى جانب الحق الفلسطيني في مدينة القدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، ومنع الحكومة الإسرائيلية من ممارساتها التعسفية ضد أبناء الشعب الفلسطيني ومقدساته، حفاظاً على الأمن والسلام الدوليين.

وأكدت الهيئة أنه لن ينعم أحد بسلام في المنطقة، وفي العالم بأسره، إلاّ ببسط السيادة الفلسطينية الكاملة على مدينة القدس الشريف، عاصمة الدولة الفلسطينية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، بما فيها المسجد الأقصى المبارك.

ودعت الهيئة جميع الفلسطينيين في كل مواقعه إلى وحدة الكلمة ورص الصفوف، وشد الرحال إلى مدينة القدس الشريف للدفاع عنها، والحضور الدائم في المسجد الأقصى المبارك؛ لحمايته من اعتداء المعتدين، وتحييهم على بطولاتهم في الدفاع عنه (الملحق الرقم2).

نتيجة لهذه الانطلاقة، التي جاءت من قلب المسجد الأقصى، دفاعاً عنه، وحماية له من محاولات الهدم، ورداً على اعتداءات اليهود المتكررة عليه، سُمّيت الانتفاضة بـ"انتفاضة الأقصى". ونتيجة للتعبئة المسبقة، والتوعية المستمرة عن طريق المهرجانات، والخطب، والمحاضرات والندوات، والنشرات، التي عرّفت بمخططات الإسرائيليين، وعقيدتهم نحو المسجد الأقصى، الذي يسمونه "جبل الهيكل"، وحذّرت من الأخطار المحدقة بالمدينة المقدسة. وهكذا اندلعت الانتفاضة بهذا الزخم، وتلك القوة، وكان أبرز ما يميزها راياتها وشعاراتها الإسلامية المكثفة، ومشاركة جميع الفلسطينيين، باختلاف توجهاتهم، في فعالياتها، حتى فلسطينيي منطقة 1948م، الذين لم يشاركوا في الانتفاضة السابقة بهذا الشكل الواضح.