الشاعر الفلسطيني المبدع تميم البرغوثي

أمسية تميم البرغوثي في رام الله:

مشهد حافل تجلله رائحة "توابل القدس"


رام الله - 22 أيلول 2007

كتب يوسف الشايب:

طوابير أمام بوابات قاعة قصر رام الله الثقافي .. تدافع على الأبواب .. في ذلك الوقت لـم يكن ينفعك إلا "عضلاتك" لتقتحم الـمبنى. كان الـمشهد مثيراً، وقلـما يتكرر قبيل أمسية الشاعر الفلسطيني الشاب تميم البرغوثي، مساء الخميس، لدرجة أن أفراد الشرطة عجزوا، بعض الشيء، عن ضبط الأمور، أمام جماهير غفيرة أحبت البرغوثي شاعراً بالعامية الفلسطينية، والـمصرية، والفصحى وصوتت له في مسابقة "أمير الشعراء"، التي يصفها البرغوثي باللعبة، مع أنه تأهل إلى حلقتها النهائية، ونال من الشهرة ما يستحق، وهي الجماهير التي تاهت ما بين إعلانات تتحدث عن دعوة عامة أو مفتوحة، ومؤسسات تؤكد أن لا دخول إلى حضرة الشعر الـمخضب بالياسمين، إلا بدعوة ورقية.

بدأ البرغوثي أمسيته التي تواصلت على مدار ساعتين، أسمع فيها الجمهور ما أعاد للشعر بريقه، بدعوة إلى الوحدة، "فلا عدو في فلسطين كما لا حليف في إسرائيل"، مشدداً على أن الجهتين الـمتقاتلتين "إحداهما حركة تحرير، والأخرى حركة مقاومة، وليس في اسميهما ما يشير إلى حزب حاكم، أو حكومة"، مؤكداً أنه ما كان ليقول هذا، ويوجه دعوة كهذه، لولا شعوره بأن ما يقوله، بصفته إنسانا فلسطينيا، قبل أن يكون شاعراً، يتقاطع مع ما يقوله الكثيرون .


هتافات الجماهير التي فاضت بها قاعة القصر، وتصفيقها الحار، ومداعبات الشاعر الـمتناثرة لجمهور ما كان إلا أن وجّه له شكراً شعرياً في نهاية الأمسية، التي وصفها الكثيرون بـ"ليلة من العمر"، وكلـمات جيفارا البديري الدافئة، كانت فواصل لطيفة في مشهد معبق بتوابل عطار "في القدس"، رائعته التي أعاد الكثير من مقاطعها، بناء على رغبة الـمتذوقين لشعر جسر الهوة بين الأجيال، وجمع الأضداد.

قدم "الفلسطيني ابن مريد البرغوثي ورضوى عاشور"، جملة من قصائد عرفها جمهور، منها علاوة على "في القدس"، مقاطع من قصيدته الطويلة "مقام عراق"، مطلقاً العنان لصوته الجهور الذي كثيراً ما أشعل بنبراته إطارات تغلق شوارع الصمت، وملء الجو رصاصاً ثقيلاً ..

"كفوا لسان الـمراثي إنها ترف .. عن سائر الـموت هذا الـموت يختلف".

واستل البرغوثي سيف الكلام في "أمر طبيعي"، مدوياً بصرخة شعرية في وجه الشعوب العربية:

يا أُمتي أَدرِي بأَن الـمرء قد يخشى الـمهالك ..

لَكن أذكركم فقط فَتذكروا..

قَد كان هذا كله من قَبل واْجتزنَا بِه..

لا شيء من هذا يخيف، ولا مفاجأَة هنَالك

يا أمتي اْرتَبِكي قليلاً،

إِنه أَمر طَبِيعي،

وقومي،

إنه أَمر طَبِيعي كذلك.

وقدم الشاعر الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوسطن بالولايات الـمتحدة الأميركية، قصيدة جديدة بعنوان "القهوة"، انتهت بتساؤل لـم يجب عليه: "هل يمكن لإسرائيل أن تعيش بين الـمؤمنين؟"، بينما اختار قصيدتين بالعامية الفلسطينية، الأولى من ديوانه "ميجانا"، الصادر عن بيت الشعر الفلسطيني في العام 1999، بعنوان "علـم"، والأخرى أشار إلى أنها كانت باكورة قصائده، وتحدث فيها منتقداً شعارات كـ"نموت وتحيا فلسطين"، مؤكداً أن لا حياة لها دون أهلها، محذراً من منع الأم الثكلى باستشهاد ابنها من البكاء عليه، واصفاً كثيراً مما حدث ويحدث في "الأراضي الـمحتلة منذ أكثر من ستين عاماً".
ولـم يفت تميم، والذي يقترب من الولوج إلى عقده الثالث، في الأمسية التي شاركه فيها العازف رامي وشحة، تقديم رائعته بالعامية الـمصرية، "في العالـم العربي تعيش"، وقال فيها:

في العالـم العربي تعيش كما قط ساكن تحت عربية (سيارة) ..

عينيه ما تشوفش م الدنيا دي حاجه إلا الجزم..

في العالـم العربي، تعيش كما بهلوان السيرك (الـمهرج)..

تحتك بهلوان، دايس عليه، وفوق دماغك بهلوان دايس عليك ..

والكل واقف محترم ..

في العالـم العربي تعيش مباراة بقالها ألف عام

لعيبة (لاعبون) تجري يمين و شمال،

والكورة طول الوقت في إيدين الحكم ..

في العالـم العربي تقول للبنت حبيتك، وهي تكون بتحبك، تناولك بالقلـم (تصفعك)

في العالـم العربي تعيش

تشتم في طعم الـمية (الـماء) والطعمية، والقهوة، وروادها، وفي مراتك وأولادها ..

وفي اللي بيعملو إبليس، وفي التفليس، ولو سألوك تقول: الحمد لله ربنا يديمها نعم،

ليختمها بقوله:

في العالـم العربي تعيش بتبص (تنظر) في الساعة وخايف نشرة الأخبار تفوت،

علشان تشوف ع الشاشة ناس

في العالـم العربي تموت