فان كوخ: عشق مجنون للطبيعة
صفحة 1 من اصل 1
فان كوخ: عشق مجنون للطبيعة
فان كوخ: عشق مجنون للطبيعة
ترجمة د.سندس فوزي فرمان ( جريدة المدى العراقية )
دمر فان كوخ حياته بالكامل،وكان موته صورة مشابهة لأعماله حيث جاء هذا الموت عنيفا وقطعيا. فقد أطلق رصاصة على صدره في حقل الحنطة القريب من باريس وذلك في 27 تموز 1890. وأسدل الستار عليه بعد يومين من الحادث.
أسطورة فان كوخ مازالت قائمة، فصورة الرسام غير المحبوب والذي اجبره القدر على العيش على نفقة أخيه تيو هي واحدة من القصص التي تحطم الرقم القياسي اليوم. أما أعمال فان كوخ فهي مؤثرة جدا وذلك لخصوبتها البالغة فليس هناك أدنى تدبر موجه بل هناك تدفق وهناك مواجهة مع الحياة بكل غناها وعطائها. أنت تحس أمام لوحاته بماء الحياة الحقيقي الحي وبالقوة الهائلة التي تنبعث من النجوم التي يرسمها. تتفجر الألوان كصرخة فهناك المساحات المسطحة من الكوبالت (الأبيض الفضي) والقرمزي ؛
وعلى الخصوص وقبل كل الألوان هناك الأصفر وهو اللون المفضل من بين جميع الألوان لدى فان كوخ. فنحن نرى الأصفر من لوحة "سهل كرو" إلى لوحة "قهوة المساء" ومرورا بلوحة "عباد الشمس". ويضع فان كوخ هذا اللون دون أدنى تحفظ.
خلال بحث هذا الرسام عن المطلق نراه يهرب من كل تصنع ومن الفروقات اللونية وكذلك يرفض الرقة الناجمة عن استخدام التدرج اللوني ويرفضها مفضلا عليها الديناميكية التي تنطلق من استخدام الألوان المتناقضة.
نرى كل نجمة في لوحاته تطلق الشرارة محملة بطاقة نقية لذا فليس مدهشا أن ينتقل رسام لوحة "الضجر" من باريس ويذهب للإقامة في الجنوب حيث الشمس أكثر ضياء وتوهجا والأفق أكثر إشراقا والطبيعة أكثر نبضا.
وفي مدينة آرل الجنوبية وجدت طبيعة الفنان الشغوفة أخيرا ما كانت تصبو إليه ؛ ألا وهو شدة توهج الضوء وهذا ما لم يجده لا في غيوم هولندا ولا في كآبة سماء باريس. كان فان كوخ يذهب دائماً إلى عمق المناظر التي يرسمها ويقترب منها أكثر فأكثر فهناك شجرة السرو والزيتون وحقول الحنطة وإنه لمن الخطأ أن نرى في التعقفات التي تخل بفضاء لوحاته كصور هلوسة لمخيلة مريضة. بلا شك كان فان كوخ مجنونا إن كان لهذا المفهوم معنى محدد...لكنه في الأقل كان يتعرض لأزمات من الجنون وأدخل إلى المستشفى عدة مرات وعاش فترات من الإنهاك والقلق. جنون فان كوخ ليس النوع المعروف برفض مفهوم الواقع إنما هو بالأحرى هروب نحو العالم وبحث عن التوحد والاندماج الكثيف معه.
في كل لوحة من لوحاته يترك فان كوخ نفسه ليمتزج مع ما يراه راسما بذلك ميثاق حب للعالم الذي يحيط به. وهكذا نرى هذا الداعية السابق خاشعا أمام ما هو مقدس ؛ أمام سر الطبيعة. في لوحته "سماء مرصعة بالنجوم" يلتقط فان كوخ طاقة الكون من السماء ويمجد عظمة شجرة السرو فهل كان فان كوخ صاحب رؤى؟ بالتأكيد وعلى شرط أن نحدد بأنه في رؤاه يكشف ولا يشوه فهو ليس خصما للعالم إنما متفرج مخلص له وكتب بهذا الخصوص قائلا: "لا يجب أن نسمع لغة الرسام إنما يجب الإصغاء إلى صوت الطبيعة". كان مسحورا تماما بجمال نموذجه. كما إن فان كوخ كان يبدي الاحترام الكبير نفسه إزاء حتى الوجوه التي يرسمها ونجد إن الأمر سيان عنده سواء إن كان الرسم يتعلق بساعي البريد جوزيف رولان وقبعته التي يرتديها أو بالفتاة الآرليزية بكتبها أو بالطبيب غاشيه جالسا خلف إناء فيه زهور قرمزية. في كل تلك الحالات نجد الوجوه جميعها خالية من أي تكلف وتميزها نظرات محبة وطيبة تكشف عن غنى نفوس أصحابها. استخدم الرسام أسلوبا غريبا خلال هذا البحث للتوحد مع الطبيعة. كرس فان كوخ نفسه للرسم في وقت متأخر نسبيا ولم يرتبط بأي مدرسة فنية ؛ كما إن قطيعته مع غوغان الذي التحق به في آرل رسخت فشله في الانضمام إلى أي مجموعة من الفنانين وبقي منغلقا على نفسه ووحيدا. وهكذا يبدو ان الإنسان لا يستطيع أن يحس جمال الكون وروعته إلا عندما يتخلى عن كل شيء ويبتعد عن كل شيء.
وبسبب هذه النار الحارقة التي عاشت في أعماقه نجد إن تقنيته في الرسم تتميز بضربات غير منتظمة بالفرشاة دون منهج أو نظرية فنية لكنه بهذه الطريقة كان يترك ضربة الفرشاة واضحة بشكل يوضح التفاصيل ويعطي للألوان بعدا بلاستيكيا حقيقيا. وهكذا نكتشف إن اللون-المادة أصبح الصلصال الذي تصنع منه الأشياء وإنه المادة الخام في الوجود.
ترجمة د.سندس فوزي فرمان ( جريدة المدى العراقية )
دمر فان كوخ حياته بالكامل،وكان موته صورة مشابهة لأعماله حيث جاء هذا الموت عنيفا وقطعيا. فقد أطلق رصاصة على صدره في حقل الحنطة القريب من باريس وذلك في 27 تموز 1890. وأسدل الستار عليه بعد يومين من الحادث.
أسطورة فان كوخ مازالت قائمة، فصورة الرسام غير المحبوب والذي اجبره القدر على العيش على نفقة أخيه تيو هي واحدة من القصص التي تحطم الرقم القياسي اليوم. أما أعمال فان كوخ فهي مؤثرة جدا وذلك لخصوبتها البالغة فليس هناك أدنى تدبر موجه بل هناك تدفق وهناك مواجهة مع الحياة بكل غناها وعطائها. أنت تحس أمام لوحاته بماء الحياة الحقيقي الحي وبالقوة الهائلة التي تنبعث من النجوم التي يرسمها. تتفجر الألوان كصرخة فهناك المساحات المسطحة من الكوبالت (الأبيض الفضي) والقرمزي ؛
وعلى الخصوص وقبل كل الألوان هناك الأصفر وهو اللون المفضل من بين جميع الألوان لدى فان كوخ. فنحن نرى الأصفر من لوحة "سهل كرو" إلى لوحة "قهوة المساء" ومرورا بلوحة "عباد الشمس". ويضع فان كوخ هذا اللون دون أدنى تحفظ.
خلال بحث هذا الرسام عن المطلق نراه يهرب من كل تصنع ومن الفروقات اللونية وكذلك يرفض الرقة الناجمة عن استخدام التدرج اللوني ويرفضها مفضلا عليها الديناميكية التي تنطلق من استخدام الألوان المتناقضة.
نرى كل نجمة في لوحاته تطلق الشرارة محملة بطاقة نقية لذا فليس مدهشا أن ينتقل رسام لوحة "الضجر" من باريس ويذهب للإقامة في الجنوب حيث الشمس أكثر ضياء وتوهجا والأفق أكثر إشراقا والطبيعة أكثر نبضا.
وفي مدينة آرل الجنوبية وجدت طبيعة الفنان الشغوفة أخيرا ما كانت تصبو إليه ؛ ألا وهو شدة توهج الضوء وهذا ما لم يجده لا في غيوم هولندا ولا في كآبة سماء باريس. كان فان كوخ يذهب دائماً إلى عمق المناظر التي يرسمها ويقترب منها أكثر فأكثر فهناك شجرة السرو والزيتون وحقول الحنطة وإنه لمن الخطأ أن نرى في التعقفات التي تخل بفضاء لوحاته كصور هلوسة لمخيلة مريضة. بلا شك كان فان كوخ مجنونا إن كان لهذا المفهوم معنى محدد...لكنه في الأقل كان يتعرض لأزمات من الجنون وأدخل إلى المستشفى عدة مرات وعاش فترات من الإنهاك والقلق. جنون فان كوخ ليس النوع المعروف برفض مفهوم الواقع إنما هو بالأحرى هروب نحو العالم وبحث عن التوحد والاندماج الكثيف معه.
في كل لوحة من لوحاته يترك فان كوخ نفسه ليمتزج مع ما يراه راسما بذلك ميثاق حب للعالم الذي يحيط به. وهكذا نرى هذا الداعية السابق خاشعا أمام ما هو مقدس ؛ أمام سر الطبيعة. في لوحته "سماء مرصعة بالنجوم" يلتقط فان كوخ طاقة الكون من السماء ويمجد عظمة شجرة السرو فهل كان فان كوخ صاحب رؤى؟ بالتأكيد وعلى شرط أن نحدد بأنه في رؤاه يكشف ولا يشوه فهو ليس خصما للعالم إنما متفرج مخلص له وكتب بهذا الخصوص قائلا: "لا يجب أن نسمع لغة الرسام إنما يجب الإصغاء إلى صوت الطبيعة". كان مسحورا تماما بجمال نموذجه. كما إن فان كوخ كان يبدي الاحترام الكبير نفسه إزاء حتى الوجوه التي يرسمها ونجد إن الأمر سيان عنده سواء إن كان الرسم يتعلق بساعي البريد جوزيف رولان وقبعته التي يرتديها أو بالفتاة الآرليزية بكتبها أو بالطبيب غاشيه جالسا خلف إناء فيه زهور قرمزية. في كل تلك الحالات نجد الوجوه جميعها خالية من أي تكلف وتميزها نظرات محبة وطيبة تكشف عن غنى نفوس أصحابها. استخدم الرسام أسلوبا غريبا خلال هذا البحث للتوحد مع الطبيعة. كرس فان كوخ نفسه للرسم في وقت متأخر نسبيا ولم يرتبط بأي مدرسة فنية ؛ كما إن قطيعته مع غوغان الذي التحق به في آرل رسخت فشله في الانضمام إلى أي مجموعة من الفنانين وبقي منغلقا على نفسه ووحيدا. وهكذا يبدو ان الإنسان لا يستطيع أن يحس جمال الكون وروعته إلا عندما يتخلى عن كل شيء ويبتعد عن كل شيء.
وبسبب هذه النار الحارقة التي عاشت في أعماقه نجد إن تقنيته في الرسم تتميز بضربات غير منتظمة بالفرشاة دون منهج أو نظرية فنية لكنه بهذه الطريقة كان يترك ضربة الفرشاة واضحة بشكل يوضح التفاصيل ويعطي للألوان بعدا بلاستيكيا حقيقيا. وهكذا نكتشف إن اللون-المادة أصبح الصلصال الذي تصنع منه الأشياء وإنه المادة الخام في الوجود.
مواضيع مماثلة
» والله مجنون.....والله
» مجنون مع الناس او عاقل وحدك
» بدك تعرف انك عاقل ولا مجنون ادخل؟؟
» ثلاثه حاجات تعرفك انك مجنون ؟الرجاء الدخول
» إشبيليه يهزم ريال مدريد في لقاء مجنون
» مجنون مع الناس او عاقل وحدك
» بدك تعرف انك عاقل ولا مجنون ادخل؟؟
» ثلاثه حاجات تعرفك انك مجنون ؟الرجاء الدخول
» إشبيليه يهزم ريال مدريد في لقاء مجنون
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2021-01-27, 6:48 pm من طرف مازن محمد خالد
» معلومات قبل شراء كاميرات المراقبة
2021-01-14, 6:20 pm من طرف مازن محمد خالد
» انظمة الصوتيات والاذاعه الداخلية
2020-12-28, 9:33 pm من طرف مازن محمد خالد
» لسه مركبتش كاميرات مراقبة ادخل والحق العروض
2020-12-05, 11:12 pm من طرف مازن محمد خالد
» افضل كاميرات مراقبة VACRON
2020-11-07, 8:20 pm من طرف مازن محمد خالد
» سنترالات باناسونيك وعروضها
2020-10-20, 5:00 pm من طرف مازن محمد خالد
» كاميرات المراقبة المنزلية /اسعار كاميرات المراقبة المنزلية
2020-10-07, 7:18 pm من طرف مازن محمد خالد
» احدث انواع وماركات كاميرات المراقبة
2020-09-10, 7:47 pm من طرف مازن محمد خالد
» افضل العروض علي اسعار كاميرات المراقبة
2020-08-13, 7:48 pm من طرف مازن محمد خالد
» شركة تركيب كاميرات مراقبة باقل الاسعار
2020-07-13, 8:12 pm من طرف مازن محمد خالد