قصيدة محمود درويش لغزه

صمت من أجل غزة!



الشاعر محمود درويش
الجمعة مارس 7 2008
محمود درویش
تحیط خاصرتها بالألغام .. وتنفجر .. لا هو موت .. ولا هو انتحار
انه أسلوب غـزة فی إعلان جدارتها بالحیاة
منذ أربع سنوات ولحم غـزة یتطایر شظایا قذائف
لا هو سحر ولا هو أعجوبة ، انه سلاح غـزة فی الدفاع عن بقائها وفی استنزاف العدو
ومنذ أربع سنوات والعدو مبتهج بأحلامه .. مفتون بمغازلة الزمن .. إلا فی غـزة
لأن غـزة بعیدة عن أقاربها ولصیقة بالأعداء .. لأن غـزة جزیرة ?لما انفجرت، وهی لا ت?ف عن الإنفجار ،
(انقر على العنوان لقراءة النص كاملا)
خدشت وجه العدو و?سرت أحلامه وصدته عن الرضا بالزمن .
لأن الزمن فی غـزة شيء آخر .. لأن الزمن فی غـزة لیس عنصراً محایداً
انه لا یدفع الناس إلى برودة التأمل . ول?نه یدفعهم إلى الإنفجار والارتطام بالحقیقة .
الزمن هنا? لا یأخذ الأطفال من الطفولة إلى الشیخوخة ول?نه یجعلهم رجالاً فی أول لقاء مع العدو
لیس الزمن فی غـزة استرخاء ول?نه اقتحام الظهیرة المشتعلة
لأن القیم فی غـزة تختلف .. تختلف .. تختلف
القیمة الوحیدة للانسان المحتل هی مدى مقاومته للإحتلال... هذه هی المنافسة الوحیدة هنا? .
وغـزة أدمنت معرفة هذه القیمة النبیلة القاسیة .. لم تتعلمها من ال?تب ولا من الدورات الدراسیة العاجلة
ولا من أبواق الدعایة العالیة الصوت ولا من الأناشید . لقد تعلمتها بالتجربة وحدها وبالعمل الذی لا ی?ون
إلا من أجل الاعلان والصورة
ان غـزة لا تباهى بأسلحتها وثوریتها ومیزانیتها. انها تقدم لحمها المر وتتصرف بإرادتها وتس?ب دمها
وغزة لا تتقن الخطابة .. لیس لغزة حنجرة ..مسام جلدها هی التی تت?لم عرقاً ودماً وحرائق .
من هنا ی?رهها العدو حتى القتل . ویخافها حتى الجریمة . ویسعى إلى إغراقها فی البحر او فی الصحراء او فی الدم
من هنا یحبها أقاربها وأصدقاؤها على استحیاء یصل إلى الغیرة والخوف أحیاناً . لأن غزة هی الدرس الوحشي والنموذج المشرق للاعداء والاصدقاء على السواء .
لیست غزة أجمل المدن ..
لیس شاطئها أشد زرقة من شؤاطئ المدن العربیة
ولیس برتقالها أجمل برتقال على حوض البحر الأبیض .
ولیست غزة أغنى المدن ..
ولیست أرقى المدن ولیست أ?بر المدن . ول?نها تعادل تاریخ أمة . لأنها أشد قبحاً فی عیون الأعداء ، وفقراً وبؤساً وشراسة . لأنها أشدنا قدرة على تع?یر مزاج العدو وراحته ، لأنها ?ابوسه ، لأنها برتقال ملغوم ، وأطفال بلا طفولة وشیوخ بلا شیخوخة ، ونساء بلا رغبات ، لأنها ?ذل? فهی أجملنا وأصفانا وأغنانا وأ?ثرنا جدارة بالحب
نظلمها حین نبحث عن أشعارها فلا نشوهن جمال غزة ، أجمل ما فیها انها خالیة من الشعر ، فی وقت حاولنا أن ننتصر فیه على العدو بالقصائد فصدقنا أنفسنا وابتهجنا حین رأینا العدو یتر?نا نغنی .. وتر?ناه ینتصر ثم جفننا القصائد عن شفاهنا ، فرأینا العدو وقد أتم بناء المدن والحصون والشوارع .
ونظلم غزة حین نحولها إلى أسطورة لأننا سن?رهها حین ن?تشف أنها لیست أ?ثر من مدینة فقیرة صغیرة تقاوم
وحین نتساءل : ما الذی جعلها أسطورة ؟
سنحطم ?ل مرایانا ونب?ی لو ?انت فینا ?رامة أو نلعنها لو رفضنا أن نثور على أنفسنا
ونظلم غزة لو مجدناها لأن الافتتان بها سیأخذنا إلى حد الانتظار ، وغزة لا تجیء الینا غزة لا تحررنا لیست لغزة خیول ولا طائرات ولا عصى سحریة ولا م?اتب فی العواصم ، ان غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ومن غزاتها فی وقت واحد وحین نلتقی بها – ذات حلم – ربما لن تعرفنا ، لأن غزة من موالید النار ونحن من موالید الانتظار والب?اء على الدیار
صحیح ان لغزة ظروفاً خاصة وتقالید ثوریة خاصة
ول?ن سرها لیس لغزا : مقاومتها شعبیة متلاحمة تعرف ماذا ترید (ترید طرد العدو من ثیابها )
وعلاقة المقاومة فیها بالجماهیر هی علاقة الجلد بالعظم . ولیست علاقة المدرس بالطلبة .
لم تتحول المقاومة فی غزة إلى وظیفة و لم تتحول المقاومة فی غزة إلى مؤسسة
لم تقبل وصایة أحد ولم تعلق مصیرها على توقیع أحد أو بصمة أحد
ولا یهمها ?ثیراً أن نعرف اسمها وصورتها وفصاحتها لم تصدق أنها مادة أعلامیة ، لم تتأهب لعدسات التصویر ولم تضع معجون الابتسام على وجهها .
لا هی ترید .. ولا نحن نرید
من هنا ت?ون غزة تجارة خاسرة للسماسرة ومن هنا ت?ون ?نزاً معنویاً واخلاقیاً لا یقدر ل?ل العرب
ومن جمال غزة أن أصواتنا لا تصل إلیها لا شيء یشغلها ، لا شیئ یدیر قبضتها عن وجه العدو، لأش?ال الح?م فی الدولة الفلسطینیة التی سننشئها على الجانب الشرقی من القمر ، أو على الجانب الغربی من المریخ حین یتم ا?تشافه ،انها من?بة على الرفض .. الجوع والرفض والعطش والرفض التشرد والرفض التعذیب والرفض الحصار والرفض والموت والرفض .
قد ینتصر الأعداء على غزة (وقد ینتصر البحر الهائج على جزیرة قد یقطعون ?ل أشجارها )
قد ی?سرون عظامها
قد یزرعون الدبابات فی أحشاء اطفالها ونسائها وقد یرمونها فی البحر أوالرمل أو الدم ول?نها
لن ت?رر الأ?اذیب ولن تقول للغزاة : نعم
وستستمر فی الانفجار
لا هو موت ولا هو انتحار ول?نه أسلوب غزة فی اعلان جدارتها بالحیاة ...
فاصلة :
وستستمر فی الانفجار
لا هو موت ولا هو انتحار ول?نه أسلوب غزة فی اعلان جدارتها بالحیاة .