الخيوط اللعينة

من طرف صقر السياسة 2008-05-27, 8:55 pm

الخيوط اللعينة
عادت من عرضها اليومي و هي مصابة بالضيق و الغضب الشديدة كعادتها في الآونة الأخيرة ...

كانت تعمل كدمية من تلك التي يقوم أحدهم بتحريكها باستخدام الحبال من أعلى المسرح فترقص و تتمايل و تتلاعب فيضج المسرح بالتصفيق لما تبدعه ،، و في الآونة الأخيرة بدأ يصيبها الضيق الشديد من تلك القيود المفروضة عليها .

بدأت تكره تلك الخيوط التي تقيد حركتها و تمنعها من أن ترقص كما تشاء هي... بدأت تشعر أن تلك الخيوط تقيد إبداعاتها الرائعة التي لا يظهر منها إلا اقل القليل بسبب تلك الخيوط اللعينة التي تربطها بأصابع هذا الأحمق الذي يقف في أعلى المسرح ليقيد حركتها و لا يسمح لها بإبراز كل مواهبها .

بدأت تشعر نحوه و نحو تلك الخيوط بالكره العميق و حاولت كثيرا أن تتمرد على تلك الخيوط... بل و طلبت منه كثيرا أن يخلصها منها و أن يتركها لحريتها تتلاعب هي كيف تشاء و تتراقص كيف تشاء فهي مبدعة خلاقه و تلك الخيوط تعيق حركتها فكان ينظر إليها و يبتسم ابتسامة مشفقة حانية و يربت على رأسها ثم يتركها في موقعها بين العرائس و يخرج .

كانت ابتسامته تلك تشعرها بالغيظ الشديد و تشعرها بأنه يستمتع تماما بتلك الخيوط التي يحيطها بها و بأنه إنما يقصد أن يعذبها بها فكانت تكره كرها شديدا كما لم تكره من قبل .

كانت تريد أن تنطلق لتستمتع بنظرات الانبهار و الإعجاب في أعين الآخرين ...

كانت تريد أن تريهم كيف إنها رائعة و لولا تلك القيود التي كانت تقيدها لأظهرت لهم من قديم الكثير من مواهبها و عبقريتها و لذلك قررت أمرا في تلك الليلة قررت أن تستغل العرض الحالي و الذي تتراقص فيه بسكين و أن تستخدم تلك السكين في قطع تلك الحبال ،، ستستغل تلك اللحظة التي تعلو فيها السكين فوق رأسها و تقوم بقطع الحبال كلها ثم تنطلق بمفردها لترقص و تتمايل و تتلاعب و تري الناس مواهبها و تستمتع بنظرات الانبهار في أعينهم نعم ستفعلها في الغد ستقطع كل ما يعيقها و لن يقف في طريقها شيء أبدا .
و في الغد استسلمت تماما ليد الفنان الذي حملها و صعد بها فوق المسرح ثم دلاها منه و وقفت تنتظر فتح الستار و عندما بدأ العرض انتظرت اللحظة الحاسمة و عندها فعلا قطعت كل الحبال و همت أن تنطلق في أرجاء المسرح لتملأه رقصا و لعبا و لكنها لم تقف في موقعها إلا طرفة عين أو اقل فقبل حتى أن تدرك ما حدث وجدت نفسها تنهار على أرض المسرح عاجزة تماما عن أن تقوم بأي شيء حاولت جديا أن تقف أو ترقص أو حتى أن ترفع يدها طالبة العون ... حاولت أن تقوم بأي مما تخيلت أنها قادرة على القيام به بمفردها...حاولت حتى أن تقوم بما اعتادت أن تقوم به و هي مقيدة بأصابع الفنان...حاولت و حاولت و بدأت تسمع صفافير الاستهجان تأتي من الجمهور و سمعت خطوات الجمهور تتحرك مغادرة المسرح مصاحبة بعبارات الاستياء و الغضب...

و في تلك اللحظة وقعت عيناها على أعلى المسرح حيث يقف الفنان في أعلاه و لمحت في عينه دمعة تترقرق من الحزن و شاهدت فيها نظرة حزن و هنا فقط فهمت بسمته التي كان يبتسمها عندما تطالبه بأن يفك عنها تلك القيود ... عندها فقط فهمت لم كان يشفق عليها و يبتسم حانيا عندما تطلب منه ألا يقيدها ... و لمحته يترك موقعه أعلى المسرح و يتجه إلى حيث هي ملقاة و وقف بجوارها للحظة قصير جدا ظنت فيها انه سينحني فيلتقطها ليعيدها على ما كانت عليه ،، و أحست بدمعة ساخنة تسقط من عينه فتسقط على وجهها فشعرت معها بكل الحب الدفين الذي في نفسه تجاهها و شعرت بكم الأسى الذي في نفسه و وجدته ينحني عليها ففرحت كثيرا و تهيأت لأن تحتضنها كفاه و تعيدها كما كانت عروس رائعة تتمايل و تتراقص فتنهال عليها عبارات الاستحسان و الإعجاب و لكنها فوجئت بأنه لم يلتقطها و لكن وضع بجوارها ما تبقى في يده من تلك الحبال التي كانت تربطها لأصابعه ثم يعتدل و يسير منكس الرأس تاركا إياها وحيدة و ليس معها سوى الخيوط اللعينة ...