تأجلت مشاريع زفاف وفشل بعضها --- غزة وأحلام العرسان

من طرف صقر السياسة 2008-04-14, 5:09 pm

مـتى اليـوم الكبيــر؟" هـذا السـؤال مصحوب بعلامـات استفهام تفـوح من ثناياها رائـحة الـود والحُب كان كفيـلا برسم حُمـرة الخجـل على وجـه "ليـنا".. والصـوت الهامس يُردد: " قـريبا..قريبا"، وتمضي عقـارب الأيام فأسابيعها ثم أشهـرها وإذا بـ"الاستفهام" يغدو تعجبا حاملا غيـوم الدهشـة والاستنكار.

الوضع الاقتصادي اثر على كافة مناحي الحيـاة في قطاع غزة، وربما في مُقدمتها مشروع الزواج، وطبيعي أن تُولّد الأزمة الاقتصادية مشاكل نفسية واجتماعية، ففجأة وفيما يستعد الشباب لحياة رسموها في خيالاتهم واستعدوا لها فاجأهم الواقع بأشياءٍ جديدة فاقت توقعاتهم وصدمتهم.

وإن كان الحصار قد أجلس كثيرون على رصيف الوقت يعدون الساعات علّ نورا يأتي بعد ظلام، فإنّ آخـريـن ودّعـوا صبـرهم وما عادت قلوبهم تقوى على الانتظار طويلا، اذ تأجلت مشاريع زفاف وتأزم بعضها لحد فشلها.

الشاب محمد غبن (27 عاماً) من سكان مدينة غزة، تنتابه هذه الأيام مشاعر من الحيرة والقلق مع اقتراب موعد زفافه المقرر صيف هذا العام. 'بدلاً من الفرحة والسعادة لقرب موعد زفافي الذي انتظره بفارغ الصبر، أصبحت قلقاً خوفاً لعدم تحقيق حلم حياتي'، قال محمد.

وأضاف: كل مستلزمات الزواج جاهزة بالنسبة لي، لكن مشكلتي تكمن في غرفة النوم. ذهبت تقريباً إلى معظم أصحاب ورشات النجارة لكي أفصل غرفة النوم التي لا غنى عنها للزواج دون فائدة، جرَاء نفاد الخشب اللازم لصناعتها من أسواق قطاع غزة.

وتابع محمد حديثه بحسرة: لو توفر شيء في السوق فتجد أسعاره مرتفعة جداً وهي فوق إمكانياتي المادية لأن الزواج مكلف جداً هذه الأيام. وللخروج من مأزقه بعد ترتيب جميع أمور زواجه، يفكر محمد رغماً عنه بشراء غرفة نوم قديمة تلبي حاجته. وقال بسخرية حسب المثل الشعبي الشهير: 'على قد لحافك مد رجليك'.

وتفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ تسعة أشهر حصاراً مشدداً على قطاع غزة، أدى إلى تدهور جميع مناحي الحياة. هيثم الفصيح صاحب إحدى ورشات النجارة في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، بدا محله خالياً من البضاعة والموبيليات على غير عادته في مثل هذا الوقت من كل عام.

هذا الوقت من المفترض أن يكون ذروة عملي، قال الفصيح، مضيفاً أن هذا العام هو من أسوأ الأعوام التي تمر عليه..

وأشار إلى أنه أصبح شبه عاطل عن العمل ويقضي معظم وقته في شرب الشاي، بسبب نفاد الأخشاب والمواد الخام اللازمة لأعمال النجارة، منوهاً إلى أنها وإن توفرت تكون بأسعار باهظة جداً، وقال بغضب: 'البضاعة صارت الطاق طاقين'.

ونحن على أبواب فصل الصيف ذروة الأفراح في قطاع غزة، لم أقم بتفصيل أي طقم لأي زبون، قال الفصيح. انظر إلى هذه الخزانة، وأشار الفصيح إلى خزانة نصف جاهزة منصوبة في إحدى زوايا محله قائلاً: 'لقد أحضر أحد الزبائن خشبها من مدينة العريش المصرية عند هدم الجدار الفاصل بين غزة ومصر'.

ويضطر الكثير من الشبان المقبلين على الزواج في قطاع غزة، إلى اقتناء أطقم نوم قديمة تم تجديدها لتلبية حاجتهم. وتشير التقديرات الصادرة عن الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، إلى أن حجم الخسائر لهذه القطاعات جراء الحصار الإسرائيلي بلغ أكثر من مئتي مليون دولار أميركي.

وقالت هذه التقديرات: 'على مستوى القطاعات المتضررة تشير البيانات إلى أنه وبعد الحصار لم يتم تصدير أي من منتجات الأثاث إلى جانب توقف 95% من ورش الصناعات الخشبية، حيث انخفض عدد المنشآت العاملة من 600 منشأة إلى 30 منشأة، ما أدى إلى خسائر تجاوزت 76 مليون دولار، إضافة إلى فقدان أكثر من 6500 عامل لوظائفهم.

أحمد سعيد (30 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان القريب من مدينة غزة، قد يضطر إلى تأجيل زواجه المقرر في شهر أب/ أغسطس القادم، عازياً سبب ذلك إلى عدم تمكنه من شراء أو تفصيل غرفة نوم.
من الصيف الماضي عقدت قراني على ابنة عمي، وحددنا موعد الفرح وكل شيء جاهز، لكن العقدة تكمن في غرفة النوم، قال أحمد.

وأضاف: كل يوم نقول إن المعبر قد يفتح الشهر القادم وتتحسن الأوضاع، لكن الأمور تسير نحو الأسوأ. أحمد أمام خيارين أحلاهما مر، الأول ربما تأجيل فرحة عمره وتحطيم أحلامه، والثاني يكمن في العودة إلى تقاليد الماضي المتمثلة باستبدال 'طقم النوم' المنتظر بصندوق خشبي صغير، كما تزوج والده قبل أكثر من أربعين عاماً.