منتديات قفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الماء يكذب للشاعر بسّام صالح مهدي : حين يكون الشعر وطناً للشاعر !

اذهب الى الأسفل

126 الماء يكذب للشاعر بسّام صالح مهدي : حين يكون الشعر وطناً للشاعر !

مُساهمة من طرف صقر السياسة 2008-04-23, 7:42 pm

الشاعر بسام صالح مهدي , من الشعراء الذين يحرصون على عمق المفردة وبعدها الاستثنائي في التعبير والصياغة التي لا تستظل بسند ٍ يخرج عن معطيات الهمّ الإبداعي , وهو ينهل من قناعة تجربة نضجت في جوٍّ خاص , ساهمت في إثرائه الحوارات الجادة في العملية الشعرية وضرورة إنقاذها باستنطاق الجوامد , والخروج عن النسق الرتيب الذي أثقل كاهل القصيدة الكلاسيكية , فكان بسام , مع مجموعة نافرة من الشعراء , قد أطلقوا حججهم , عبر نصوص وبيانات , لاقت ردود أفعال متفاوتة , وهذا أمر طبيعي , ولعلني ممن تصدّى في إحدى المرّات لطروحات واخزة قدمها هؤلاء الشعراء , فحرّكوا فيها , البركة الساكنة , و جذبوا انتباه المتلقي , فيما أثاروا حفيظة بعض الذين تمسّكوا بهواجس التقليد , أو الذين انفلتوا تماماً وصاروا بعيدين عن واقع الشعر , وأثقلوه بطروحات مجانية , وادعاءات فجة , أثبتت التجربة الزمنية , أنهم كانوا قصيري النفس , ولم تحتملهم الأجواء , ولم يحتملوها هم , فسرعان ما تواروا في عزلة لا يعرف لها مصير !.

أما بسّام صالح مهدي , فقد ظل مواظباً في تجربته , متمكناً منها , فكان جامح الطموح متوقداً , لا يخشى إطلاق رأيه الصريح , حتى وإن كان مغايراً , مثيراً لحفيظة الآخر , المنزوي تحت خيمة قناعات , ركن إليها , وغلّفها بالجمود .

المهم , أصدر بسّام مجموعته الأولى في بغداد , بنسخ محدودة , وطباعة أجهدته تكاليفها , وقدّمته إلى القارئ القريب منه , وهذه ظاهرة , شملت جميع الشعراء العراقيين , أيّام الحصار القاسي على بلادهم , حيث يلجأ الشاعر , من أجل توثيق مشروعه الإبداعي , إلى طباعة نسخ من مجموعة شعريّة تمثل تجربته , إزاء المرحلة الزمنيّة التي يعيشها , ولينشرها بين أصدقائه , شعراء وقرّاء , ونقاداً متابعين مخلصين , وهكذا كانت مجموعة بسام الأولى , مطبوعة مرّتين , وفي كليهما لم تكن – طباعيّاً- بمستوى ما يريد لكنها لفتت الأنظار إليه , كشاعر يخطو خطوات ٍ حذرة , وهو يعي معطيات تجربته , فكانت ( لا أعد الهروب خيولا ً ) إطلالة مؤثرة , تشير بقوّة , إلى سعي هذا الشاعر للإمساك بجذوة الشعر والتألق بها , وأنا شخصيّاً , شهدتُ تفوّق بسام على أقرانه من خلال توفّر فرصتين أمامه , كنتُ فيها عضواً في لجنة تحكيم شعريّة , الأولى كنتُ لا أعرفه فيها شخصياً , لكنها كانت , مباشرة , أي ألقى الشعراء المشاركون قصائدهم أمامنا , نحن لجنة التحكيم , فتشاورنا , ووجدنا أنفسنا متفقين على تفوّق هذا الشاب الأسمر المدعو بسام صالح مهدي ففاز بجدارة , وفي المرّة الثانية , كان فيها بسام من أجمل أصدقائي , لكن مسابقة هذه المرة , كانت حول قصائد مقدمة للجنة , وهي مطبوعة , وقد وزّعت إلينا دون أسماء , لمنحها درجات , اتفقنا على صيغتها , وكان أن اتفق جميع أعضاء اللجنة , على نصّ شعري دون غيره , وبعد أن كشفنا الأسماء , كان الفائز هو بسام صالح مهدي , وهكذا أخذت أتابع تجربته الشعرية , حتى بعد أن ترك البلاد , وسكن دمشق العزيزة , فأصدر مجموعته الثانية ( التفاتة القمر الأسمر ) عن إتحاد الكتّاب العرب في دمشق ,وكانت مجموعة متفوقة أيضاً , ولا أستغرب فوزه بجائزة أبي علاء المعرّي الشعرية التي أقيمت في سورية , فهو يستحقها بجدارة , كما أن لبسام مشروعاً تنظيرياً , لم يأخذ حقه الإعلامي , وهو ( قصيدة الشعر في العراق ) على غرار , بل رداً على مشروع ( قصيدة النثر ) الذي أحدث ضجيجاً , وفورة إعلاميّة , ربما كانت أكثر من المنجز , وكان بسام قد رأس في العراق رابطة الرصافة للشعر العربي , التي انبثقت منها مجلة أشرعة التي وضعت ركائز هامة لتجربة شعرية جديدة في العراق .

في مجموعته الجديدة الموسومة ( الماء يكذب ) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب , هذا العام , قدّم الشاعر بسام صالح مهدي قصائده مبوبة تبويبا فنياً , يشير فيه إلى وعيه تجاه ما يؤدي من شعر , فكانت , الباقة الأولى تحت باب ( قصائد ) وقد تضمنت قصائد متكاملة في البناء والرؤية , أما الباقة الثانية فقد جاءت تحت عنوان نثريات , وقد تضمنت , مقطوعات شعرية وقصائد تفعيلة أراد الشاعر أن يفصلها عن سابقتها لتؤدي مؤدى فنيا مختلفاً , وإن كان الاختلاف غير واضح بشكل حاد , فالباب الأول , جاءت إضمامته , تنطوي على ميل للشكل العمودي المتقن , المؤطر بالشكل التقليدي المعروف , وهي قصائد ( الماء يكذب ) التي نثر الشاعر أبياتها حسب فواصلها ( الجمليّة ) , كي تكون بعيدة عن النمطية في قراءتها بوصفها قصيدة عمودية حيث يقول فيها :
قمري
على شفتيك َ يجري
يا نهرُ
كم تسعى لغيري ؟
أورثتني ...
شجرَ الدعاء
وشيبَ سنبلتي
وجذري
أورثتني ...
صوتَ الأذان
يفرُّ من فجر ٍ
لفجر ِ
وكذلك جاءت قصيدة ( أرملة في جنوب القلب ) التي يقول فيها :
مازلت ِ تعتقدين
أنك سنبله
أو أنّك ِ امرأة ٌ
بطعم قرنفله

كذلك شأن القصيدة الأخرى ( عين ٌ في البعيد ) فيما خرجت قصيدة ( آمن سرّاً ) عن نسق سابقاتها في هذا الباب , فكانت تنتمي لتجربة قصيدة التفعيلة بشكل واضح جلي .

أما الباب الثاني ( شعريات ) فقد , جاءت نصوصه , أكثر تحرراً , من قالب الشكل النمطي , رغم أن الشاعر كان مجيداً متمكناً في قصائده العمودية , وقد نحتها نحتاً , لم يسقط فيه في فخ أمراض القصيدة العمودية , لكنه في باب ( شعريات ) حررّ جملته , وأطلقها في فضاءات أوسع وأكثر شملاً وحركة , ومن قصائد هذا الباب ( لا وطن بلا لفظ سليم ) , والعنوان يدلّ على موقف فكري فني مزدوج ويقول فيها الشاعر :
باعوني إلى الأعداء

بعتهمو ... إلى قلبي
وأني تارك ٌ بغداد
تقضم ُ طفلها
وتباع بين الحرب والحرب
وأنّي تاركٌ قطعان جدّي
نهب أصحابي
و أصحابي إذغ جاعوا
تناهوا في أذى البيداء كالذئب

أما القصيدة الثانية عبارة عن صرخة جميلة , لشاعر رقيق يعيش بين براثن الواقع المؤلم وهي ( أعيدوا لي الآن أمّيتي ) , فيم جاءت ا القصيدة الثالثة في هذا الباب تحمل عنوان ( إليك طبعاً ... من سواك تكون له ) , وهي تنم عن حوار داخلي يمثل صراعاً إنسانياً حاضراً يقول فيها الشاعر :
- حدّثتَ نفسك هكذا ؟
أفعلتها ...؟
أبداً ..!!
ولا عرقٌ رمى بخجوله
فلأنت أوّل من رضيت بذلّة ٍ
وأقات عمر
نحولها بنحوله
وطن ٌ ...
وأنت رضيتُهُ كمؤجل
ولبثت فيه وعشت في تأجيله

أما الباب الثالث فقد جاء تحت عنوان ( مقطوعات ) وهو يمثل حالات ٍ شعريةً , جمالية , ولوحات شجن مؤثرة نقتطف منها هذه المقطوعة :
وطنٌ .. شباك ٌ .. عنكبوت ُ
وطن ٌ .. وأحزان ٌ .. بيوتُ
نهر ٌ يعلّق ُ شامة ً بيضاء
أنجبها السكوت ُ
وأنا سأولد ها هنا ...
وأموت ُ في مَنْ لا يموت ُ
و جاء الباب الرابع تحت عنوان ( أغنيتان ) , وهو يضم أغنيتين رقيقتين , رائعتين صياغة ومعنى وأداء مبسّطاً نذكر من الأغنية الأولى مقطعا ً هو :
لا تبحثي ...
فستخسرين العمر كي تجدي مثيلي
لا تبحثي ..
في الحبّ لن تجدي بديلي
لا تبحثي ..
مثلي أيمكن أن يكون ؟!
لا لن يكون..
أما الباب الخامس فقد جعله تحت عنوان ( أيتام ) , ضم , قصائد تتألف من بيت واحد فقط , جعله الشاعر يتيماً , مقتنصاً من تجربة الحياة , وشراراتها المعبّرة ومنها هذا البيت اليتيم :
مكانك أن تظل َ بلا مكان ِ
زمانك مستحيل ٌ في الزمان ِ
أما الباب الأخير , فقد جاء تحت عنوان ( قصائد نثر ) , ضم أربع قصائد , مختلفة عن نسق المجموعة كلّها , لكنها , حفلت بالروح الشعرية للشاعر , وقناعة تعبيره , وموهبته , التي لا تقف في تعبيرها عند حدود , وصياغات مشروطة , نقتطف من قصيدة ( وصية المعلّم ) هذا المقطع :
السماء تتكئ على نجمة ٍ متعبة ٍ في عينيه
دموعه مصابيح صغيرة
يخبئ خبّات القمح في حقيبته المدرسيّة
بين دفاتره تولد سنابل وفراشات
وها هو الآن
ولدٌ ضائع
لقد جاءت مجموعة ( الماء يكذب ) للشاعر المبدع بسام صالح مهدي , لتكون إطلالة إبداعية جديدة , ذات أهميّة استثنائية , في خارطة الشعر العراقي الجديد.
صقر السياسة
صقر السياسة
عضو محترف
عضو محترف

{الجـنــس} : ذكر
{الإقــامـة} : الماء يكذب للشاعر بسّام صالح مهدي : حين يكون الشعر وطناً للشاعر ! Myn41910
{آلـعـمـــر} : 37
{آلمسـآهمـات} : 3756
{تآريخ آلتسجيل} : 18/02/2008
{العــمــل} : عروبي يكشف الحقائق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى