نبذه عن حياة القائد الشهيد ابو علي مصطفى

محطات مضيئة في حياة الشهيد ابو علي مصطفى

انحدر الشهيد ابو علي مصطفى من عائلة مناضلة من بلدة عرابة، قاتل والده في صفوف ثورة عز الدين القسام، فحمل رسالة والده وواصل نضاله يافعاً في الخمسينيات في صفوف حركة القوميين العرب، والتحق بالجهاز النضالي ليمارس نشاطه العسكري ضد اسرائيل، وفي تلك الفترة كان هناك اتصال وتنسيق بين الحركة وبين القوى القومية في مناطق العام 1948، حيث كان المد القومي وخاصة في عهد القائد الراحل جمال عبد الناصر، فكانت شعلة النضال تملأ الوطن العربي من المحيط الى الخليج، وقد واصل نضاله من اجل تحرير فلسطين منذ الخمسينيات وحتى استشهاده.
وبعد حرب حزيران العام 1967، لم ييأس ابو علي مصطفى ورأى أن المقاومة الفلسطينية، يجب ان تبدأ بثوب جديد، وباستراتيجية واضحة وانه لا بد من تحرير فلسطين، فقطع النهر سراً وعاد الى الضفة الغربية، ليكون من اول المؤسسين لحركة المقاومة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، وليكون من اول المؤسسين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة والقطاع، وقاد المقاومة من رام الله، على رأس قيادة شابة اتخذت من مخيم قدورة في رام الله مركزاً لها، حيث تجمعت معظم خلايا المقاومة لفتح وجيش التحرير الفلسطيني والجبهة الشعبية في منطقة رام الله، وكان هناك تواصل بين الضفة الغربية بما فيها القدس وبين قطاع غزة وبين فلسطينيي الـ 1948، وكان ذلك عاملاً مساعداً لانطلاق المقاومة في كل مناطق فلسطين، كما كان هناك تنسيق وتعاون بين حركة فتح وبين الجبهة الشعبية في الداخل.
ولقد لعب الرفيق ابو علي مصطفى في اعداد خلايا المقاومة للجبهة، كما لعب دوراً أساسياً في اول بيان سياسي وعسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 11/12/1967، حيث اثرت على التخطيط لاول عملية فلسطينية في العمق، وهي عملية مطار اللد الاولى التي على اثرها صدر البيان التأسيسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وعندما انتقل ابو علي مصطفى من الضفة الغربية الى الاردن، بقي مسؤولاً عسكرياً لقوات الجبهة الشعبية في الاغوار وفي الشمال وفي الجنوب من الاردن، وعاش طيلة حياته حتى معارك جرش وعجلون 1971 في القواعد العسكرية، ولعب دوراً مهماً في وضع حد للخلاف الذي نشأ في مؤتمر آب 1968 في احراش جرش، الى ان عقد المؤتمر الثاني للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العام 1969 في القويسمة في عمان، وكان هذا المؤتمر قد ارسى الاسس والمبادئ الصحيحة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان للرفيق ابو علي الفضل في تأسيس اول مركز للاعلام في عمان في بداية العام 1968.
وبعد احداث جرش وعجلون 1971، غادر ابو علي مصطفى عمان سراً متوجهاً الى لبنان ليواصل نضاله ودوره الاساسي في الجبهة الشعبية، في هذه الفترة وحتى العام 1982، تجذرت المقاومة الفلسطينية، وانتشرت كما امتدت علاقاتها وصداقاتها الى مختلف انحاء العالم، وكان للشهيد اثر بارز في هذه العلاقات العربية والدولية، وكذلك في العلاقات بين الفصائل الفلسطينية، وكان بطبيعته وحدوياً، وحريصاً على الوحدة الوطنية، وكان يتجلى ذلك في دورات المجلس الوطني الفلسيني، ولكن ليس على حساب الثوابت الفلسطينية، التي كانت هي الاساس في نسج العلاقات محلياً وعربياً، لم يكن يحابي احداً على حساب الثوابت الفلسطينية.
كان ابو علي مصطفى صادقاً وأميناً على مبادئه وملتزما بها، كان منحازاً منذ البداية للعمال والفلاحين ومنحازاً حتى النخاع للقضية الفلسطينية، كان ينظر الى حيفا ويافا كنظرته للقدس وجنين، والى ام الفحم وكفر قاسم كنظرته لعرابة وجباليا، كان يرى ان الثورة الفلسطينية ما زالت تمر في مرحلة تحرر وطني، رغم الاتفاقات التي وقعت منذ اوسلو وبعدها، والتي نقضتها اسرائيل، كما نقضت عجلة السلام منذ مدريد 1991 وحتى الآن، حيث انهتها كلياً.
وبعد ان اصبح الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المؤتمر السادس خلفاً للرفيق القائد جورج حبش، عاد الى ارض الوطن الى فلسطين، فاحتضنته عرابة وكل مدن ومخيمات وقرى فلسطين، نعم عدت الى مكانك الطبيعي في فلسطين، لتواصل النضال وتواصل المسيرة، وكنت دائماً تقول "اننا ما زلنا في بداية الطريق، عدت لتضع يدك بأيدي رفيقاتك ورفاقك واخواتك واخوانك من اجل استكمال المشوار، ومن اجل احقاق الحقوق الوطنية والثابتة للشعب الفلسطيني، من اجل حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، عدت يا ابا علي الى فلسطين مقاوماً لا مساوماً، ملتزماً بالمبادئ لا مفرطاً بها، عدت لتكون شاهداً على ما يجري، وعشت في قلب الحدث في كل قرية ومخيم ومدينة في فلسطين، في مدارسها ومعاهدها وجامعاتها، في مصانعها ومزارعها.
كنت متواضعاً ودمثاً، لكنك كنت حازماً، لا تأخذك في الحق لومة لائم، احببت شعبك فاحبك، وصدقته فصدقك، عملت على ترتيب اوضاع الجبهة الشعبية بعد استشهاد العديد من الرفاق واعتقال العديد من الرفيقات والرفاق، لقد استبشر الجميع فيك خيراً، وكنت اهلاً لها، ووجدت كل تعاون ودعم من اجل اكمال المسيرة حتى التحرير.
غير ان الصهاينة لم يمهلوك، فسارعوا الى اغتيالك، وليس صدفة ان تكون اول امين عام لفصيل فلسطيني يتم اغتياله على ارض فلسطين بعد اتفاقات اوسلو، لقد اغتالوك في وضح النهار، وفي مكتبك في البيرة، بواسطة صواريخ انطلقت من طائرة الاباتشي، لقد اغتالك ارئىل شارون الحاقد والعدو الحقيقي للشعب الفلسطيني، فهو ليس بجديد على الاغتيالات وارتكاب المجازر بحق الاطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين.
اغتالوك يا ابا علي لانهم وجدوا فيك المناضل الفلسطيني الذي عاد الى ارض الوطن ليقاوم لا ليساوم، ولترفع بيدك شعلة النضال، ويلتف الشعب الفلسطيني من حولك، لقد اغتالوك لانك ملتزم بمبادئك، ولديك ايمان لا يتزعزع بقضيتك الفلسطينية، لقد اغتالك شارون لانك تشكل خطراً حقيقياً عليهم وعلى مشاريعهم التآمرية على فلسطين، لقد اغتالوك لانك جذري في معتقداتك، وجذري في تحديدك لمعسكر الاعداء، انك قائد ثورة، ولهذا كله قاموا باغتيالك ليتخلصوا منك مبكراً.
بعد استشهادك جرت مياه كثيرة في النهر، وحدثت احداث كبيرة، وساءت الامور على الصعيد الفلسطيني بسبب الممارسات الاسرائيلية الاجرامية المدعومة من الولايات المتحدة الاميركية، فقد اغتيل الشهيد عبد العزيز الرنتيسي واغتيل الشيخ احمد ياسين، كما استشهد القائد الرئيس ياسر عرفات، واجتاحت القوات الاسرائيلية الضفة الغربية وقطاع غزة، وقامت بتدمير البنية التحتية للسلطة الوطنية الفلسطينية، واغتالت وقتلت واعتقلت الآلاف من الشعب الفلسطيني، واختطفت الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات ورفاقه من سجن اريحا، واعتقلت الوزراء واعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني من حركة حماس ولا تزال هذه العمليات مستمرة.
وبعد الثاني عشر من تموز 2006 شنت اسرائيل حرباً عدوانية شاملة على لبنان للقضاء على حزب الله، وقامت بتدمير كامل للأحياء في المدن والقرى والبلدات في الضاحية وفي الجنوب والبقاع وفي كل لبنان، غير ان حزب الله استطاع ان ينتصر على الجيش الاسرائيلي بدباباته وبوارجه وطائراته، وهذا باعتراف الاسرائيليين الرسميين انفسهم،
ان هذا يفرحك يا ابا علي، لكن المشهد الفلسطيني يحزنك، لكن شعبك الفلسطيني كما عهدته لن يستسلم وسيواصل النضال، ان النقاط المضيئة في حياتك النضالية الطويلة ولمدة خمسين عاماً ستزيد من اصرار شعبك على التمسك بحقوقه الوطنية والثابتة ولن يفرط بها. وستكون النقطة المضيئة التي حققها حزب الله في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي قوة دفع له على طريق التحرير.